تاااابع
ومن أنواع الجوهر وطرز السيف المذكورة صنعت السيوف في أماكن صناعتها وتميزت واختلفت عن بعضها ومنها:
1ـ السيف اليماني: سيف خفيف الوزن يمتاز بدقة صناعته، وجودة معدنه، وكان أكثر السيوف انتشاراً في جنوب الجزيرة العربية.
2 - السيف الهندي يجلب من الهند ويمتاز بشدة انحناءه إلى أعلى ودقة دؤابته.
3 - السيف الخراساني أو السيف الفارسي يصنع في إيران ويمتاز هذا النوع من السيوف بمتانته وثقل وزنه وقد انتشر انتشاراً واسعاً في وسط الجزيرة [15] .
4- السيف الشامي: ويصنع في بلاد الشام في بصرى وديوف بإقليم حوران ويمتاز بدقة صناعته وجوهره الخالص ويتسم بثرائه الزخرفي وتطعيمه بالجواهر والأحجار الكريمة والذهب.
5- السيف الروماني: يستخدم للطعن أكثر وهو سيف ثقيل وطويل وخالي من النقوش حيث استخدم في القتال وهو عملي أكثر بالنسبة للرومان خصوصاً مع بداية ما قبل الميلاد وما بعده وعى الأخص في بداية القرن الأول الميلادي مع فترة التوسع وبسط نفوذ الدولة على أجزاء واسعة من بلاد الشرق وبعض بلدان أوربا.
أشهر الصناع
من خلال تتبعنا لأشهر الصناع ممن قاموا بهذه الصناعة أو الحرفة لم تكن هناك أسماء كثيرة، ولكن بلدان عدة ومناطق كثيرة اشتهرت بهذه الصناعة وأتقنت وتفننت بها كما أشرنا من قبل، ولكن لا يعدوا أن هناك أسماء اشتهرت وفاقت شهرتها الأفاق. وكانت العرب تطلق كلمة قيوناَ على القائمين بهذه الحرفة، ومن هذه الأسماء سُريج وتسمى السيوف السرجية نسبة إلى صانعها سُريج أحد بني معرض بن عمرو بن أسد بن خزيم [16] .
وخباب بن الأرت في الجاهلية وفي الإسلام بعد إسلامه وقد عذب به، وأسد الله الإصفهاني وابنه عبد علي ويعتبر العصر الصفوي الذي عاش فيه العصر الذهبي لهذه الصناعة في بلاد فارس وقد بلغ صناعة سيف الشمشير غاية كماله على يديه وبموته تضاءلت وزالت مكانة فارس وشهرتها كمركز هام.
معلم مصري من الصناع الذين عاصروا السلطان القاجاري ناصر شاة قاجار. سلطان سيف مصري، عباسقلي، عجم أوغلو، الحاج سنقر، أسنه أحمد صاحب، الحاج محمد إبراهيم أغا [17] .
وقد نقشت على نصول السيوف بعض الكلمات وبعض الطلاسم لتحمي السيف من الضياع والحفظ في اعتقادهم أو رسوم للحيوانات وخصوصاً رسم الحيات والأسود.
وفي الفترة الإسلامية نقشت على النصول أسماء الخلفاء الراشدين أو الملوك أو أسماء السلاطين خصوصاً سلاطين الدولة العثمانية، أو بعض سور القرآن الكريم، أو الأدعية وأسماء أهل الكهف، ونقشت أيضاً أبيات من بطون الشعر العربي. والسيوف الفارسية كثرت فيها عبارة لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار وأسماء أهل البيت ، إضافة إلى اسم الطباع.
السيف والشعر
وقالوا في العرب أربعة أشياء: العمائم تيجانها والكرم حباها والشعر ديوانها والسيوف سيجانها فلذا نذكر بعض من الشعر والشعراء في الجاهلية وفي بعض العصور الإسلامية المختلفة حيث موضوعنا عن السيوف ونجزم بالقول إن العرب مما مر بهم من حروب وصراعات وتناحر شغلوا بالحرب كثيراً وأنهم تحدثوا عنها بأشعارهم حتى أصبح الحديث عنها موضوعاً أساسياً من موضوعات شعرها ففي العصر الجاهلي كان المجتمع يؤمن بالقوة إيماناً جعله من مقومات الحياة، وعنصراً أساسياً من عناصر البقاء، والحرب كانت ضرورة للحصول على العيش وتحقيق الكرامة والحرية وأصبحت غاية يفتخر بها فكانت القبائل العربية في الجاهلية قبل الإسلام تغير على جاراتها أو منافسيها على المرعى أو بسبب الثأر أو الرغبة في السيطرة والسبي فبرز الفرسان ودون الشعر تلك الحروب والغارات وخلدت ذكراهم بل طبعت بعضها في الذاكرة العربية ولا يمكن نسيانها أبداً خصوصاً إذا ارتبط أسم الفارس بالشجاعة والأقدام وروايته للشعر معاً فهذا عنترة بن شداد العبسي أحد أبرز الشعراء والفرسان في الجاهلية قبل الإسلام واحد أصحاب المعلقات فينشد في قلب المعركة حين تراءت له محبوبته عبلة فينشد قائلاً:
فلقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
في سنة 450م في عهد عمرو بن حجر الملقب بالمنصور ثارت قبائل معد بقيادة كليب بن وائل واستطاعت التخلص من حكم اليمن في يوم خزار وكان هذا اليوم من أعظم أيام العرب المشهورة في الجاهلية فقد انتصرت معد على قبائل اليمن ولم تزل لها المنعة حتى ظهور الإسلام وفيها قال السفاح التغلبي:
ضللنا من السهاد وكنا لولا سهاد القوم احسب هاديات
فكنا في ا لصباح على جذام ولخم بالسيوف مشهرات [18]
ومن أيام العرب المشهودة أيضاً يوم ذي قار حين طلب كسرى الفرس هند بنت النعمان بن المنذر من أبيها الزواج فرفض فجند كسرى الجنود وفتك بالنعمان وهربت هند إلى بوادي العرب فأجاروها وتجمعت القبائل العربية ورأس القوم عمرو بن ثعلبة الشيباني حين أجارت أخته هند فجمع كسرى جيش كبير ودارت المعركة المشهورة والتي كانت للعرب كلمتها فيها فأنشدت هند:
حافظ على الحسب النفيس الأرفع بمدججين مع الرماح الشرع
وصوام هندية مصقولة بسواعد موصولة لم تمنع
وأيضاً الشاعر الجاهلي المزرد بن ضرار الغطفاني كثيراً ما كان يفتخر بشجاعته ووصف سلاحة وذكر في أشعاره بعض أسماء السيوف وهذا موضوعنا فيقول:
من الملمس هندي متى يعمل حده ذرى البيض لا تسلم عليه الكواهل
حسام خفي الجرس حين تسله صحيفته مما تنقى الصياقل [19]
وأيضاً ذكر الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته فيقول:
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
فشعراء المعلقات قد تفاخروا بالنسب والحب والشجاعة والكرم وذكروا أسماء وصفات السيوف في معلقاتهم وكذلك الشعراء المعاصرين ذكروا في أشعارهم وقصائدهم أسماء وقطع السيف وليس لنا مجال للتوسع في ذلك. فمن الطبيعي أن يكون السلاح مما تحدث الفرسان عنه لأنه يمثل القوة التي يستندون إليها في حياتهم والعنصر الأساس الذي تعتمد عليه بطولاتهم فكان حديث الإعجاب به حديث كل ميزة وكل صفة وكل نَعْت نُعِتَ به.
وفي فترة الدولة العباسية وأوج عظمتها وقوتها في أيام المعتصم العباسي في واقعة فتح عمورية وحينما حذره بعض المنجمين بنتائج الحرب العكسية إلا أنه لم يأخذ برأيهم وأخذ باستغاثة امرأة حينما صرخت وامعتصماه يقول أبو تمام:
السيف اصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
وهذه الأبيات الشعرية كثيراً ما كانت تطبع على نصول السيوف الإسلامية.
ولا ننسى الشاعر أبو الطيب المتنبي في عهد الدولة الحمدانية في حلب التي استقلت عن الدولة العباسية في القرن الرابع الهجري وهو شاعر السيف والقلم بلا منازع وقد شغل الدنيا بشعره وحكمه ورددت أشعاره وحفظت قصائده فيقول في قصيدته العصماء:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ويقول في قصيدته التي يمدح فيها سيف الدولة الحمداني ويشير إلى صفات السيوف ويمزجها بالحكمة:
ومن طلب الفتح الجليل فإنما مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم
وفي العصر الإسلامي الوسيط يقول الشاعر ابن المقرب العيوني في شعره:
أبا الدهر أن يلقاك إلا محاربا فجرد له سيفاً من العزم قاضبا
وكقوله أيضاً في موضع آخر حيث يقول:
ونثرة اخضر الهند ذمتها إن السيوف المواضي تحفز الذمما
وفي الأندلس خارج الجزيرة العربية يقول الشاعر أبو الطيب الصالح الرندي وهو يصف السيف المشرفي كناية عن جودة حديده وصنعه والذي يصنع في مشارف بالشام:
يمزق الدهر حتماً كل سابقة إذا بنت مشرفيات وحرصان
وينتضي كل سيف في الفناء ولو كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
وهناك العديد من الشعراء لا يحصى عددهم في العصرين الأموي والعباسي والعصور اللاحقة ذكروا في أشعارهم اسم من أسماء السيف وقرنوه مرتبطاً بالشجاعة والرجولة والبطولة أو مرتبط بصد عدوان.
بل حتى وقتنا الحاضر مع ظهور الأسلحة الحديثة والفتاكة يشيرون في أشعارهم إلى السيف والرمح وهذا يدل على القوة والأصالة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم والتمسك بهذا الموروث عبر الأزمان وليس لنا هنا مجال في التوسع بذكر الشعر والشعراء وتناولهم لموضوعات الحرب والسيف والشجاعة ولو تناولنا هذا الموضوع لكتبنا مجلدات فيه وإنما اكتفينا بذلك على سبيل الدلالة والاستشهاد.
وتقبلو خالص تقديري...,..؛..
mngol ***